الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{تظاهرون} نزل القرآن الكريم والعرب يعقلون من هذا التركيب ظاهر من زوجته أنه قال لها: أنت علي كظهر أمي، وكانت العرب تطلق نساءها في الجاهلية بهذه الكلمة، وكان الظهار عندهم طلاقا، فلما جاء الإسلام نهوا عنه، وأوجبت الكفارة على من ظاهر من امرأته.قال في اللسان: وأصل الظهار مأخوذ من الظهر، وإنما خصوا الظهر دون البطن والفخذ، لأن الظهر موضع الركوب، فكأنه قال: ركوبك للنكاح علي حرام كركوب أمي للنكاح، فأقام الظهر مقام الركوب، وهذا من لطيف الاستعارات للكناية.{أدعياءكم} جمع دعي، وهو الذي يدعى ابنا وليس بابن، وهو النبي الذي كان في الجاهلية وأبطله الإسلام، وقد تبنى عليه السلام زيد بن حارثة قبل النبوة لحكمة جليلة نبينها بعد إن شاء الله.قال في اللسان: والدعي: المنسوب إلى غير أبيه، والدعوة بكسر الدال: أدعاء الولد الدعي غير أبيه، وقال ابن شميل: الدعوة بالفتح في الطعام، والدعوة بالكسر في النسب.وقد أنكر بعضهم هذه التفرقة.وقال الشاعر:
{أقسط} بمعنى أعدل أفعل تفضيل، يقال: أقسط إذا عدل، وقسط إذا جار وظلم، فالرباعي أقسط يأتي اسم الفاعل منه مقسط بمعنى عادل ومنه قوله تعالى: {إن الله يحب المقسطين} [الحجرات: 9] والثلاثي قسط يأتي اسم الفاعل منه قاسط بمعنى جائر ومنه قوله تعالى: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} [الجن: 15] فكأن الهمزة في أقسط للسلب، كما يقال: شكا إله فأشكاه، أي أزال شكواه.والقسط: العدل قال تعالى: {وأقيموا الوزن بالقسط} [الرحمن: 9].{ومواليكم} أي أولياؤكم في الدين، جمع مولى وهو الذي بينه وبين غيره حقوق متبادلة كما بين القريب وقريبه، والمملوك سيده.ومعنى الآية: فإن لم تعرفوا آباءهم أيها المؤمنون فهم إخوانكم في الدين، وأولياؤكم فيه، فليقل أحدكم: يا أخي، أو يا مولاي، يقصد بذلك الأخوة والولاية في الدين.{غفورا} يغفر ذنوب عباده، ويكفر عنهم السيئات إذا تابوا {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} [طه: 82].{رحيما} بعباده ومن رحمته أنه رفع الإثم عن المخطئ، ولم يؤاخذه على خطئه.
فالمراد في الآية الكريمة من لفظه عليم أنه جل جلاله قد أحاط علمه بكل الأشياء، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. والحكيم المبالغ في الحكمة الذي تناهت حكمته فشملت الأمر العظيم والشيء اليسير وكل ما جاء على ذلك الوزن إنما يقصد به المبالغة فتدبره.اللطيفة الثامنة: كانت العرب تزعم أن كل لبيب أريب له في جوفه قلبان، وقد اشتهر جميل بن معمر عند أهل مكة بذكائه وقوة حفظه، فكانوا يسمونه بذي القلبين، وكانوا يخصونه بالمديح في أشعارهم كما قال بعض الشعراء: وكان هذا الجهول يقول: أنا أذكى من محمد وأفهم منه. فلما بلغته هزيمة بدر طاش لبه، وحدث أبا سفيان بحديث كان فيه كالمختل. وهو يحمل إحدى نعليه بيده، والأخرى يلبسها في رجله وهو لا يدري، فظهر للناس كذبه. وافتضح على رءوس الأشهاد أمره.اللطيفة التاسعة: قوله تعالى: {هو أقسط عند الله}. أفعل التفضيل ليس على بابه لأن نسبتهم إلى غير آبائهم ظلم وعدوان، فلا يقصد إذن التفضيل وإنما يقصد به الزيادة مطلقا.والمعنى: دعاؤهم لآبائهم بالغ في العدل والصدق نهايته. وهو القسط والعدل في حكم الله تعالى وقضائه. وجوز بعضهم أن يكون على بابه جاريا على سبيل التهكم بهم. والمعنى: دعاؤهم لغير آبائهم إذا كان فيه خير وعدل فهذا أقسط وأعدل ويكون ذلك جاريا مجرى التهكم والله أعلم.
|